فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال أبو عبد الله الرازي: الحياة الاستعداد لقبول المعارف فتحصل له علوم كلية أولية وهي المسماة بالعقل والنور ما توصل إليه تركيب تلك البديهيات من المجهولات النظرية ومشيه في الناس كونه صار محضرًا للمعارف القدسية والجلايا الروحانية ناظرًا إليها، ويمكن أن يقال: الحياة الاستعداد القائم بجوهر الروح والنور اتصال نور الوحي والتنزيل به فالبصيرة لابد فيها من أمرين: سلامة حاسة العقل، وطلوع نور الوحي كما أن البصر لابد فيه من أمرين: سلامة الحاسة وطلوع الشمس؛ انتهى، ملخصًا.
وهو بعيد من مناحي كلام العرب ومفهوماتها ولما ذكر صفة الإحسان إلى العبد المؤمن نسب ذلك إليه فقال: {فأحييناه وجعلنا له نورًا} وفي صفة الكافر لم ينسبها إلى نفسه بل قال: {كمن مثله في الظلمات} ولما كانت أنواع الكفر متعددة قال: {في الظلمات} ولما ذكر جعل النور للميت قال: {يمشي به في الناس} أي يصحبه كيف تقلب، وقال: {في الناس} إشارة إلى تنويره على نفسه وعلى غيره من الناس فذكر أن منفعة المؤمن ليست مقتصرة على نفسه وقابل تصرفه بالنور وملازمة النور له باستقرار الكافر {في الظلمات} وكونه لا يفارقها، وأكد ذلك بدخول الباء في خبر ليس ويبعد قول من قال: إن النور والظلمة هما يوم القيامة إشارة إلى قوله: {يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم} وإلى ظلمة جهنم وتقدم الكلام على مثل في قوله: {كمثل الذي استوقد نارًا} وقرأ طلحة أفمن الفاء بدل الواو.
{كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون} الإشارة بذلك إلى إحياء المؤمن أو إلى كون الكافر في الظلمات أي كما أحيينا المؤمن زين للكافر أو ككينونة الكافر في الظلمات، زين للكافرين والفاعل محذوف.
قال الحسن: هو الشيطان، وقال غيره: الله تعالى وجوز الوجهين الزمخشري، وتقدم الكلام في التزيين وقيل: المزين الأكابر الأصاغر. اهـ.

.قال الخازن:

قوله عز وجل: {أو من كان ميتًا فأحييناه} يعني أو من كان ميتًا بالكفر فأحييناه بالإيمان وإنما جعل الكفر موتًا لأنه جعل الإيمان حياة لأن الحي صاحب بصر يهتدي به إلى رشده ولما كان الإيمان يهدي إلى الفوز العظيم والحياة الأبدية شبهه بالحياة {وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس} يعني وجعلنا له نورًا يستضيء به في الناس ويهتدي به إلى قصد السبيل، قيل: النور هو الإسلام لأنه يخلص من ظلمات الكفر لقوله: يخرجهم من الظلمات إلى النور.
وقال قتادة: هو كتاب الله القرآن لأنه بينة من الله مع المؤمنين بما يعمله {كمن مثله في الظلمات} يعني كمن هو في ظلمة الكفر وظلمة الجهالة وظلمة عمى البصيرة {ليس بخارج منها} يعني من تلك الظلمات وهذا مثل ضربه الله تعالى لحال المؤمن والكافر فبين أن المؤمن المهتدي بمنزلة من كان ميتًا فأحياه وأعطاه نورًا يهتدي به في مصالحه وأن الكافر بمنزلة من هو في ظلمات منغمس فيها ليس بخارج منها فيكون متحيرًا على الدوام، ثم اختلف المفسرون في هذين المثالين هل هما مخصوصان بإنسانين معينين أو هما عامّان في كل مؤمن وكافر؟ فذكروا في ذلك قولين: أحدهما أن الآية في رجلين معينين ثم اختلفوا فيهما فقال ابن عباس في قوله وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس يريد حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم كمن مثله في الظلمات يريد بذلك أن أبا جهل بن هشام وذلك أبا جهل رمى النبي صلى الله عليه وسلم بفرث فأخبر حمزة بما فعل أبو جهل، وكان حمزة قد رجع من صيد وبيده قوس وحمزة لم يؤمن بعد فأقبل حمزة غضبان حتى علا أبا جهل وجعل يضربه بالقوس، وجعل أبو جهل يتضرع إلى حمزة ويقول: يا أبا يعلى أما ترى ما جاء به سفَّه عقولنا وسب آلهتنا وخالف آباءنا؟ فقال حمزة: ومن أسفه منكم عقولًا تعبدون الحجارة من دون الله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، فأسلم حمزة يومئذ فأنزل الله هذه الآية.
وقال الضحاك: نزلت في عمر بن الخطاب وأبي جهل.
وقال عكرمة والكلبي: نزلت في عمار بن ياسر وأبي جهل، وقال مقاتل: نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وأبي جهل وذلك أن أبا جهل قال زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا نحن وهم كفرسي رهان، قالوا منا نبي يوحى إليه والله لا نؤمن حتى يأتينا وحي كما يأتيه فنزلت هذه الآية.
والقول الثاني: وهو قول الحسن في آخرين أن هذه الآية عامة في حق كل مؤمن وكافر وهذا هو الصحيح لأن المعنى إذا كان حاصلًا في الكل دخل فيه كل أحد.
وقوله تعالى: {كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون} قال أهل السنة، المزين هو الله تعالى ويدل عليه قوله زينّا لهم أعمالهم ولأن حصول الفعل يتوقف على حصول الدواعي وحصوله لا يكون إلا بخلق الله تعالى فدل ذلك على أن المزين هو الله تعالى، وقالت المعتزلة المزين هو الشيطان ويرده ما تقدم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ}
قرأ الجمهور بفتح الواو، دخلت عليها همزة الاستفهام.
وروى المُسَيَّبي عن نافع بن أبي نعيم {أَوْ مَنْ كَانَ} بإسكان الواو.
قال النحاس: يجوز أن يكون محمولًا على المعنى، أي انظروا وتدبروا أغير اللَّهِ أبتغي حكمًا.
{أَوْ مَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} قيل: معناه كان ميتًا حين كان نطفة فأحييناه بنفخ الروح فيه؛ حكاه ابن بحر.
وقال ابن عباس: أو من كان كافرًا فهديناه.
نزلت في حمزة بن عبد المطلب وأبي جهل.
وقال زيد بن أسْلم والسُّدّي: {فَأَحْيَيْنَاهُ} عمر رضي الله عنه.
{كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} أبو جهل لعنه الله.
والصحيح أنها عامّة في كل مؤمن وكافر.
وقيل: كان ميتًا بالجهل فأحييناه بالعلم.
وأنشد بعض أهل العلم ما يدل على صحة هذا التأويل لبعض شعراء البصرة:
وفي الجهل قبل الموت موتٌ لأهله ** فأجسامهم قبل القبور قبورُ

وإنّ امرأ لم يَحْيَ بالعلم ميّتٌ ** فليس له حتى النشور نشورُ

والنُّور عبارة عن الهُدَى والإيمان.
وقال الحسن: القرآن.
وقيل: الحكمة.
وقيل: هو النور المذكور في قوله: {يسعى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم} [الحديد: 12]، وقوله: {انظرونا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} [الحديد: 13].
{يَمْشِي بِهِ} أي بالنور {فِي الناس كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظلمات} أي كمن هو؛ فمثل زائدة.
تقول: أنا أُكرم مثلك؛ أي أكرمك.
ومِثله {فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم} [المائدة: 95]، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11].
وقيل: المعنى كمن مَثَله مَثَل من هو في الظلمات.
والمَثَل والمثل واحد.
{كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي زين لهم الشيطان عبادة الأصنام، وأوهمهم أنهم أفضل من المسلمين. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

{أومن كان ميتًا} أي: بالكفر {فأحييناه} أي: بالإيمان وإنما جعل الكفر موتًا لأنه جعل الإيمان حياة لأنّ الحي صاحب بصر يهتدي به إلى رشده، ولما كان الإيمان يهدي إلى الفوز العظيم والحياة الأبدية شبه بالحياة، وقرأ نافع بتشديد الياء والباقون بالتخفيف {وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس} أي: يتبصر به الحق من غيره وهو الإيمان، وقال قتادة: هو كتاب الله القرآن بينة من الله مع المؤمن بها يعمل وبها يأخذ وإليها ينتهي {كمن مثله} أي: كمن هو {في الظلمات} فمثل زائدة {ليس بخارج منها} وهو الكافر أي: ليس مثله. نزلت هذه الآية في حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه وأبي جهل بن هشام وذلك إنّ أبا جهل رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرث فأخبر حمزة بما فعل أبو جهل وهو راجع من قنصه وبيده قوس وحمزة لم يؤمن بعد فأقبل غضبان حتى علا أبا جهل بالقوس وهو يقول: يا أبا يعلى ما ترى ما جاء به سفه عقولنا وسفه آلهتنا وخالف آباءنا، فقال حمزة: ومن أسفه منكم تعبدون الحجارة من دون الله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمدًا رسول الله، وقيل: في عمر بن الخطاب أو عمار بن ياسر وأبي جهل. {كذلك} أي: كما زين للمؤمنين إيمانهم {زين للكافرين ما كانوا يعملون} أي: من الكفر والمعاصي، قال أهل السنة: المزين هو الله تعالى ويدل عليه قوله تعالى: {زينا لهم أعمالهم} وقالت المعتزلة: المزين هو الشيطان وردّ بالآية المذكورة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{أَوَمَن كَانَ مَيْتًا} وقرئ ميِّتًا على الأصل {فأحييناه} تمثيلٌ مَسوقٌ لتنفير المسلمين عن طاعة المشركين إثرَ تحذيرِهم عنها بالإشارة إلى أنهم مستضيئون بأنوار الوحي الإلهي والمشركون خابطون في ظلمات الكفرِ والطغيانِ فكيف يُعقل إطاعتُهم لهم؟ والهمزةُ للإنكار والنفي، والواوُ لعطف الجملةِ الاسميةِ على مثلها الذي يدل عليه الكلامُ، أي أأنتم مثلُهم ومَنْ كان ميتًا فأعطيناه الحياةَ وما يتبعُها من القوى المُدْرِكة والمحرِّكة؟ {وَجَعَلْنَا لَهُ} مع ذلك من الخارج {نُورًا} عظيمًا {يَمْشِي بِهِ} أي بسببه، والجملةُ استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال نشأ من الكلام كأنه قيل: فماذا يصنع بذلك النورِ؟ فقيل: يمشي به {فِى الناس} أي فيما بينهم آمِنًا من جهتهم أو صفةٌ له {كَمَن مَّثَلُهُ} أي صفتُه العجيبةُ وهو مبتدأ وقوله تعالى: {فِى الظلمات} خبرُه على أن المرادَ بهما اللفظُ لا المعنى كما في قولك: زيدٌ صفتُه اسمرُ، وهذه الجملةُ صلةٌ لمن وهي مجرورةٌ بالكاف وهي مع مجرورها خبرٌ لمن الأولى وقوله تعالى: {لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا} حالٌ من المستكن في الظرف وقيل: من الموصول أي غيرُ خارجٍ منها بحال، وهذا كما ترى مثلٌ أريد به من بقي في الضلالة بحيث لا يفارقها أصلًا كما أن الأولَ مثَلٌ أريد به من خلقه الله تعالى على فطرة الإسلامِ وهداه بالآيات البينةِ إلى طريق الحقِّ يسلُكه كيف يشاء لكن لا على أن يدل على كل واحدٍ من هذه المعاني بما يليق به من الألفاظ الواردةِ في المثَلين بواسطة تشبيهِه بما يناسبه من معانيها، فإن ألفاظَ المثَلِ باقيةٌ في معانيها الأصلية، بل على أنه قد انتُزعت من الأمور المتعددةِ المعتبرةِ في كل واحدٍ من جانبي المَثَلين هيئةٌ على حِدَة فشُبِّهت بهما الأُوليان ونُزّلتا منزلتيهما فاستُعمل فيهما ما يدل على الأُخْريين بضرب من التجوّز، وقد أشير في تفسير قوله تعالى: {خَتَمَ الله على قُلُوبِهِمْ} الآية، إلى أن التمثيلَ قسمٌ برأسه لا سبيل إلى جعله من باب الاستعارةِ حقيقةً وأن الاستعارةَ التمثيليةَ من عبارات المتأخرين. نعم قد يجري ذلك على سنن الاستعارةِ بأن لا يُذكرَ المشبّه كهذين التمثيلين ونظائرِهما وقد يجري على منهاج التشبيه كما في قوله:
وما الناسُ إلا كالديار وأهلُها ** بها يوم حلُّوها غدوًا بلاقعُ

{كذلك} أي مثلَ ذلك التزيينِ البليغ {زُيّنَ} أي من جهة الله تعالى بطريق الخلق عند إيحاءِ الشياطينِ أو من جهة الشياطينِ بطريقة الزخرفةِ والتسويلِ {للكافرين} التابعين للوساوس الشيطانيةِ الآخذين بالمُزخْرَفات التي يوحونها إليهم {مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} ما استمرّوا على عمله من فنون الكفرِ والمعاصي التي من جملتها ما حُكيَ عنهم من القبائح فإنها لو لم تكن مُزينةً لهم لما أصروا عليها ولما جادلوا بها الحقَّ، وقيل: الآية نزلت في حمزةَ رضي الله عنه، وأبي جهلٍ وقيل: في عمرَ أو عمارٍ رضي الله عنهما وأبي جهل. اهـ.

.قال الألوسي:

{أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فأحييناه} تمثيل مسوق لتنفير المسلمين عن طاعة المشركين إثر تحذيرهم عنها بالإشارة إلى أنهم مستضيئون بأنوار الوحي الإلهي والمشركون غارقون في ظلمات الكفر والطغيان فكيف يعقل طاعتهم له، فالآية كما قال الطيبي متصلة بقوله سبحانه، {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ} [الأنعام: 121] والهمزة للإنكار.
والواو كما قال غير واحد لعطف الجملة الاسمية على مثلها الذي يدل عليه الكلام أي أأنتم مثلهم ومن كان ميتًا فاعطيناه الحياة {وَجَعَلْنَا لَهُ} مع ذلك من الخارج {نُورًا} عظيمًا {يَمْشِي بِهِ} أي بسببه {فِى الناس} أي فيما بينهما آمنا من جهتهم، والجملة إما استئناف مبني على سؤال نشأ من الكلام كأنه قيل: فماذا يصنع بذلك النور؟ فقيل: يمشي إلخ أو صفة له.
و(من) اسم موصول مبتدأ وما بعده صلته والخبر متعلق الجار والمجرور في قوله تعالى: {كَمَن مَّثَلُهُ} أي صفته العجيبة.
و(من) فيه اسم موصول أيضًا و{مّثْلِهِ} مبتدأ.
وقوله سبحانه: {فِى الظلمات} خبر هو محذوف.
وقوله سبحانه: {لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا} في موضع الحال من المستكن في الظرف، وهذه الجملة خبر المبتدأ أعني مثله على سبيل الحكاية بمعنى إذا وصف يقال له ذلك، وجملة {مّثْلِهِ} مع خبره صلة الموصول.
وإن شئت جعلت (من) في الموضعين نكرة موصوفة ولم يجوز أن يكون {فِى الظلمات} خبرًا عن {مّثْلِهِ} لأن الظلمات ليس ظرفًا للمثل.
وظاهر كلام بعضهم كأبي البقاء أن {فِى الظلمات} هو الخبر وليس هناك هو مقدرًا، ولا يلزم كما نص عليه بعض المحققين حديث الظرفية لأن المراد أن مثله هو كونه في الظلمات والمقصود الحكاية؛ نعم ما ذكر أولًا أولى لأن خبر {مّثْلِهِ} لا يكون إلا جملة تامة والظرف بغير فاعل ظاهر لا يؤدي مؤدى ذلك.
وجوز كون جملة {لَيْسَ بِخَارِجٍ} حالًا من الهاء في {مّثْلِهِ} ومنعه أبو البقاء للفصل، قيل: ولضعف مجيء الحال من المضاف إليه وقرأ نافع ويعقوب {مَيْتًا} بالتشديد وهو أصل للمخفف والمحذوف من اليائين الثانية المنقلبة عن الواو أعلت بالحذف كما أعلت بالقلب ولا فرق بينهما عند الجمهور.
ثم إن هذا الأخير كما قال شيخ الإسلام مثل أريد به من بقي في الضلالة بحيث لا يفارقها أصلًا كما أن الأول مثل أريد به من خلقه الله تعالى على فطرة الإسلام وهداه بالآيات البينات إلى طريق الحق يسلكه كيف شاء لكن لا على أن يدل على كل واحد من هذه المعاني بما يليق به من الألفاظ الواردة في المثلين بواسطة تشبيهه بما يناسبه من معانيها فإن ألفاظ المثل باقية على معانيها الأصلية بل على أنه قد انتزعت من الأمور المتعددة المعتبرة في كل واحد من جانب المثلين هيئة على حدة ومن الأمور المتعددة المذكورة في كل واحد من جانب المثلين هيئة على حدة فشبهت بهما الأولتان ونزلتا منزلتهما فاستعمل فيهما ما يدل على الأخيرتين بضرب من التجوز إلى آخر ما قال، ونص القطب الرازي على أنهما تمثيلان لا استعارتان، ورد كما قال الشهاب بأن الظاهر بأن من كان ميتًا ومن مثله في الظلمات من قبيل الاستعارة التمثيلية إذ لا ذكر للمشبه صريحًا ولا دلالة بحيث ينافي الاستعارة والاستعارة الأولى بجملتها مشبهة والثانية مشبه به وهذا كما تقول في الاستعارة الإفرادية أيكون الأسد كالثعلب؟ أي الشجاع كالجبان وهو من بديع المعاني الذي ينبغي أن يتنبه له ويحفظ.
والتفسير المأثور عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد بالميت الكافر الضال وبالإحياء الهداية وبالنور القرآن وبالظلمات الكفر والضلالة، والآية على ما أخرج أبو الشيخ عنه نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو المراد بمن أحياه الله تعالى وهداه، وأبي جهل بن هشام لعنه الله تعالى وهو المراد بمن مثله في الظلمات ليس بخارج، وروي عن زيد بن أسلم مثل ذلك.
وفي رواية عن ابن عباس أنها في حمزة وأبي جهل، وعن عكرمة أنها في عمار بن ياسر، وأبي جهل.
وأيما كان فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فيدخل في ذلك كل من إنقاد لأمر الله تعالى ومن بقى على ضلاله وعتوه {كذلك} إشارة إلى التزيين المذكور على طرز ما قرر في أمثاله أو إشارة إلى إحياء الشياطين إلى أوليائهم أو إلى تزيين الايمان للمؤمنين {زُيّنَ} من جهته تعالى خلقا أو من جهة الشياطين وسوسة {للكافرين} كأبي جهل وأضرابه {مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي ما استمروا على عمله من فنون الكفر والمعاصي التي من جملتها ما حكى عنهم من القبائح. اهـ.